17
مشاركة

15 يونيو 2019

الجولات العمرية.. زيارات ليلية إلى فقراء غزِّيين بأمس الحاجة للمساعدات

غزة/ خضر عبد العال:

مع انتصاف ليالي رمضان، ضربات حانية تطرق بابًا حديديًّا متهالكًا لبيت صغير تسكنه عائلة مكوّنة من 8 أفراد، يخرج الأب أمين محمد (30 عامًا) مرحبًا: "أهلًا وسهلًا، تفضلوا".

دخل الزائر إلى صالون البيت الذي لا تتجاوز مساحته 9 أمتار مربعة، ليتفاجأ من هول المشهد، وحينها ضاق المكان بأصحابه وزائرهم، حيث يرقد بجوار الباب الحديدي طفلان صغيران نائمان طوليًّا على فرشة واحدة، إلى جانبهما مكان الطبخ، ويجاوره دورة مياه مغطاة بستارة، ثم ثلاجة لم يوجد فيها سحور تلك الليلة.

إلى جانب هذا الصالون غرفة أكبر بقليل، وهي مكان نوم الأبوين، وبقية الأطفال؛ ففي هذا المكان الضيّق يعيش الثلاثيني الذي يعمل بائعًا متجولًا للحلوى في شوارع مدينة غزة، مع عائلته.

عرّف الزائر نفسه أنه من فريق جمعية قوافل الخير، جاؤوا لتفقد أوضاع العائلة والوقوف على معاناتها، وتقديم مساعدة نقدية.

مباشرةً، تغيّرت ملامح محمد مبتهجًا، فنادى زوجته التي فرحت هي أيضًا بما سمعت من خلف ستار الغرفة، ثم قدما شكرهما لفريق الجمعية ولأهل الخير المتبرعين.

ما تقدّم مشهدٌ عايشه مراسل صحيفة "فلسطين" في أثناء مرافقته فريق "قوافل الخير"، في إحدى "الجولات العُمرية" التي نفذتها الجمعية لتفقد بيوت عائلات فقيرة مستورة في حي الصفطاوي، شمالي مدينة غزة.

انتقل أعضاء الفريق المكوّن من أربعة أفراد إلى بيت عائلة أخرى، لم يكن حاله يقل سوءًا عن حال الذي سبق، إذ يعيش به خمس عائلات، إضافة إلى أمهم أم إبراهيم السحار (45 عامًا)، التي ما فتئت تدعو لأهل الخير، وتشكرهم على عطائهم ووجودهم، قائلةً: "والله انبسطت بزيارتكم، وسعتوا علينا شوية من الضيق اللي إحنا فيه".

قاطعها نجلها محمود (26 عامًا) مقسمًا أنه منذ بداية رمضان لم تدخل بيتهم مساعدة من أحد، ثم قال: "نصيبنا مكتوب، إحنا قاعدين في هالليل ولا كنا نتوقع حدا يدقدق الباب ويقدم لنا مساعدة"، وتابع مع والدته الدعاء للمتبرعين.

قوافل الخير هي جمعية خيرية أهلية غير ربحية، تعمل في قطاع غزة، انطلقت في يناير 2015م لتكون عونًا للعائلات والأسر الفقيرة والمحتاجة، وشعارها: "حيث للصدقة قيمة".

كيف جاءت الفكرة؟

وفي شهر رمضان يخرج فريق الجمعية يوميًّا بدءًا من 12 ليلًا حتى 2 صباحًا، وفي بقية الأشهر تبدأ الجولات بعد صلاة العشاء حتى 12 ليلًا، حسبما يفيد علي المغربي مدير الجمعية.

وفي أثناء الجولة، يشرح المغربي أن فكرة "الجولات العُمرية" جاءت بعد بحث طويل عن آلية لتقديم المساعدات للعائلات الفقيرة، دون لفت أنظار جيرانها أو أقاربها حتى أبنائها، رفعًا للحرج، وزيادة في تعففها.

وسميت الجولات العمرية إحياءً لسنة خليفة المسلمين سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، الذي كان يطوف على بيوت المسلمين ليلًا، يتفقد أحوالهم ويتحسس أوضاعهم.

ويضيف: "اختير هذا التوقيت حفظًا لماء وجه العائلة أمام الجيران والأقارب، وأيضًا حفظ لماء وجه الأب والأم أمام أبنائهما وعدم إحراجهما، إذ يتحدث أحدهما عن الأوضاع الصعبة والمأسوية التي يعيشون فيها".

ويلفت إلى أن هذه الجولات مكنت الجمعية من زيارة الكثير من الأسر المتعففة التي قد لا تزار في الأوضاع الطبيعية نظرًا لعدم قبولها الزيارات تعففًا، مثل بعض العائلات التي قطعت رواتب أفرادها ولا تسأل الناس إلحافًا.

وخلال الجولات يتفقد الفريق أحوال العائلات والأسر المحتاجة والمتعففة والمستورة في قطاع غزة، ويتحسس معاناتها، للوقوف على ظروفها الصعبة، من ناحية المسكن أو المأكل أو المشرب أو العلاج، ويستمع لقصصهم الإنسانية وآلامها، وفقًا لحديث المغربي.

وتتنوع أشكال المساعدات المقدمة من الجمعية، مثل: طرود غذائية، وسلال الخضار، وعلاجات وأدوية، أو مبالغ مالية نقدًا، كل ذلك حسب طلب المتبرعين.

وحتى منتصف شهر رمضان، بلغ عدد العائلات المستفيدة من هذه الجولات 800 عائلة فقيرة.

ويرى المغربي أن "الجولات العمرية" حققت نجاحًا كبيرًا، فبات لها صدى واسع في أوساط الشعب الغزي، حتى بين أهل الخير في الدول العربية والأوروبية.

وبدأت الجولات توزيع مبالغ مالية بسيطة على الأسر المستورة، وبعد مدة وجيزة أخذت رواجًا واسعًا كبيرًا، حتى تطور الأمر إلى بناء بعض بيوت الفقراء.

ويؤكد أن توثيق أنشطتهم بالفيديو ما هو إلا لزيادة ثقة المتبرعين، واطمئنانهم بوصول صدقاتهم إلى مستحقيها.

وحققت الجولات نجاحًا في توفير كفالات مالية شهرية لمئات العائلات، راوحت قيمتها من 150 إلى 250 دولارًا.

ويخاطب المغربي أهل الخير مطمئنًا إياهم، قائلًا: "ثمرة صدقاتكم ستجدونها مباشرةً أمام أعينكم بالتبرع لأهلنا في قطاع غزة، الذي هو بأمس الحاجة لكل تبرع، فالفقر انتشر في كل بيت: العاطلين عن العمل والعمّال والموظفين، حتى طبقة التجار التي كانت في يوم من الأيام تتصدق أصبحنا الآن نعطيها من زكاة المال".

ويضيف: "الصدقة في قطاع غزة تختلف عن أي منطقة جغرافية في العالم، لأن الصدقة هنا تكون على أناس محاصرين، وهذا فيه أجر مضاعف، فضلًا عن أنها صدقة في أرض مباركة".

ويدعو أهل الخير في دول العالم العربي والغربي إلى مد يد العون لأهالي قطاع غزة، حيث إن كل تبرع يساوي الكثير في ميزان الصبر والثبات لكل عائلة فقيرة.