17
مشاركة

15 يونيو 2019

عندما حققت "قوافل الخير" حلمًا فاق توقعات "الفتيات الست"

غزة - يحيى اليعقوبي:

ست فتيات وإخوانهن الثلاثة كانوا يعيشون في بيت متهالك على مدار 30 سنة، مكون من غرفتين، سقفه من (الزينجو)، آيل للسقوط، لا يقي من حر الصيف ولا برد الشتاء، ينخر البرد عظامهم متسللًا إليهم من ثقوب وفتحات مختلفة من ذلك المكان المسمى اسمًا فقط "منزلًا"؛ ففي الواقع لم يكن المكان صالحًا للسكن والإيواء.

في تموز (يوليو) 2018م أطلقت الفتيات -وهن من عائلة "القرعان" سكان منطقة الزوايدة وسط القطاع طريق البحر-مناشدة لمساعدتهن، لكون والدهما صاحب مهنة "الصيد" عاطلًا عن العمل؛ وتفاعل الرأي العام مع قصتهن التي شهدت تعاطفًا كبيرًا من أهالي قطاع غزة، حتى لبت جمعية "قوافل الخير" النداء، وكانت تلبية النداء هذه المرة تفوق توقع العائلة.

تغير جذري

بعد عدة شهور تغيرت حياة عائلة "القرعان" جذريًّا؛ انتقلت من حياة "شبه حياة" في بيت لا يصلح للسكن، بمساحة ضيقة، ينام معظم الأشقاء في غرفة واحدة، إلى بيت ممتد على مساحة 110 أمتار مربعة مكون من طابقين، بات لكل فتاة أو شقيقتين غرفة واحدة، ومعها انتهت هذه المأساة والمعاناة التي عاشتها العائلة على مدار سنين طويلة.

لا تستطيع جميلة (28 سنة) وصف لحظة تسلمهم مفتاح البيت الجديد.

"حينما أتذكر لحظات المعاناة التي كنا نعيشها سابقًا أبكي من حرقة القلب" قالتها جميلة في مستهل حديثها لصحيفة "فلسطين"، مضيفة: "عندما تسلمنا البيت الجديد كان شعورنا لا يوصف، كأننا انتقلنا من معاناة وجحيم إلى نعيم وحياة وأمل".

اليوم جميلة تتصارع مع داخلها، وتفكيرها، كي لا تتذكر أي لحظات عاشتها في البيت القديم المتهالك، بعد أن تغيرت حياتهم إلى الأفضل، من شرفة منزلهم الجديد الواقع غرب منطقة "الزوايدة" وسط القطاع تقف جميلة مع إشراقة يوم جديد، ترى أمواج البحر تتلألأ أمام ناظريها، مشهد حرمت منه سنوات طويلة، ففي بيتهم القديم كانت نظرتها لا تطل إلا على جدران مشققة، ومنزل معتم، حتى أشعة الشمس لم تدخله إلا أحيانًا.

تعبر عن سعادتها بحياتهم الجديدة قائلة: "لقد رسمت الابتسامة على وجوهنا، بعد حياة صعبة عشناها، واليوم أصبحت حياتنا أفضل بكثير من السابق، ونتمنى أن يعيشها باقي الفقراء".

معاناة طويلة

"كانت العائلة تعيش منذ 30 عامًا في وضع مأسوي، تفتقد مقومات الحياة الكريمة، لا تزيد مساحة منزلهم عن غرفة آيلة للسقوط ودورة مياه ومطبخ من الزينجو، يؤوي أسرة مكونة من تسعة أفراد (ست بنات وثلاثة ذكور) مع والديهم، رب الأسرة صياد عاطل عن العمل" بهذا يلخص أحد أقارب العائلة محمد القرعان وضعها في حديثه إلى صحيفة "فلسطين".

مما يستذكره القرعان عن حياة العائلة السابقة أنه في أحد أيام الشتاء الباردة اتصلوا به للقدوم لمساعدتهم، وحينما وصل وجد سقف البيت من ألواح "الزينجو" متطايرًا مع الهواء والبرد الشديد، يقول: "لم يكن هذا الموقف الوحيد الذي عانوه في الشتاء، فدائمًا كانت الرياح الباردة هي الضيف الدائم على العائلة في فصل الشتاء، تدخل عليهم المياه من شقوق الجدران وثقوب سقف البيت".

لا ينسى يوم حفل افتتاح المنزل وتسليمه لهذه العائلة، يضيف: "تشبه فرحة وسعادة شخص مغترب عاد إلى وطنه بعد سنوات طويلة قضاها في الغربة، نُقلت العائلة من حياة الموت والألم والمعاناة إلى حياة الراحة والسعادة، هدمنا الألم وبنينا الأمل بداخل تلك العائلة".

انعكاس الحال الجديد -والكلام للقرعان- على حياة الأسرة في كل شيء، تزوجت إحدى الفتيات، باتوا لا يشكون البرد والحر، لا تتدفق عليهم المياه، حتى باتوا لا يشعرون بالعواصف.

لكن ليس ما سبق كل ما حدث مع العائلة، الجمعية نفسها تكفلت للعائلة بمبلغ مالي شهري بمقدار 100 دولار، الأب العاطل عن العمل اشترى له فاعلو خير قاربًا صغيرًا (حسكة) أعاده إلى البحر والصيد، كان يعاني مشاكل سمعية، قدموا سماعات خاصة له، فعاد رب الأسرة عاطف أبو القرعان إلى ممارسة مهنة الصيد بعد عدة سنوات قضاها عاطلًا عن العمل، وبدأ أبناؤه يعملون معه.

هكذا تغيرت حياة عائلة "القرعان" إلى الأفضل؛ لكن كم من عائلة فقيرة بحاجة إلى من ينتشلها من واقعها المرير، يخرجها من "الموت إلى الحياة" حتى تعيش حياة كريمة!